غزوة بدر الكبرى
صفحة 1 من اصل 1
غزوة بدر الكبرى
غزوة بدر الكبرى
عندما سمع الرسول عليه الصلاة والسلام بأبي سفيان مقبلاً من الشام في تجارة لقريش، ندب المسلمين إليه، وقال لهم : ((هذه عير قريش ، فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها)).
وفي رواية عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: ((إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنهامقبلة، فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير،لعل الله يغنمناها؟ قلنا: نعم. فخرج وخرجنا معه)).
ولم يستنفر الرسول صلى الله عليه وسلم كل الناس، بل طلب أن يخرج معها من كان ظهره حاضراً، ولم يأذن لمن أردا أن يأتي بظهره من علو المدينة، لذا لم يعاتب أحداً تخلف عنها. وكان عددهم ما بين 313 والـ 317 رجلاً، منهم ما بين الـ 82 والـ 86 من المهاجرين و 61 من الأوس و 170 من الخزرج، معهم فَرَسان وسبعون بعيراً، يتعقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد.
وكان أبو لبابة وعلي بن إبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعندما جاء دوره في المشي ، قالا له: ((نحن نمشي عنك)). فقال لهما : ((ما أنتما بأقوى مني ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما)).
وفي الطريق ، عندما بلغوا الروحاء ، رد الرسول صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وأمّره على المدينة ، وسبق ذلك أن جعل عبدالله بن أم مكتوم على الصلاة ، وأصبح مكانه في زمالة الرسول صلى الله عليه وسلم على البعير ، مرثد بن أبي مرثد. ولذلك فلا خلاف بين رواية ابن إسحاق ورواية أحمد.
وعندما علم أبو سفيان بالخطر المحدق بقافلته ، أرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنجد بقريش.
وجاء ضمضم مسرعاً إلى مكة ، وعندما دخلها وقف على بعيره ، وقد جدع أنفه ، وحول رحله، وشق قميصه ، وهو يصيح : ((يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة , أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث ، الغوث)).
وخرجت قريش مسرعة لإنقاذ عيرها ورجالها ، ولتلقي بالمسلمين في حرب تراها قاضية على قوة المسلمين التي ظلت تهدد تجارتهم. ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب ، فإنه أرسل مكانه العاص بن هشام ، مقابل دين كان عليه ، مقداره أربعة آلاف درهم. و لم يتخلف من بطون قريش سوى بني عدي.
وبلغ عددهم في بداية مسيرهم نحو ألف وثلثمائة محارب، معهم مائة فرس وستمائة درع وجمال كثيرة، بقيادة أبي جهل.
وعندما خشوا أن تغدر بهم بنوبكر لعدواتها معهم ، كادوا أن يرجعوا عماأرادو ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي ، سيد بني كنانة ، وقال لهم : ((أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه. فخرجوا من ديارهم كما حكى عنهم القرآن (بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله)).
رأت عاتكة بنت عبدالمطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو بخبر أبي سفيان بثلاث ليال ، فقالت : رأيت رجلاً أقبل على بعير له فوقف بالأبطح ، فقال : انفروا يا آل بدر لمصارعكم في ثلاث ، فذكرت المنام وفيه : ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل ، فأقبلت تهوي حتى ترضضت فما بقيت دار ولا بنية إلا ودخل فيها بعضها. وفي القصة إنكار العباس على أبي جهل قوله : ((حتى حدثت فيكم هذه النبية)) ، وإرادة العباس أن يشاتمه ، واشتغال أبي جهل عنه بمجيئ ضمضم يستنفر قريشاً لصد المسلمين عن عيرهم ، فتجهزوا وخرجوا إلى بدر ، فصدق الله رؤيا عاتكة.
لقد كان أبو سفيان متيقظاً للخطر المتكرر من جانب المسلمين. ولذا عندما اقترب من بدر لقى مجدي بن عمرو وسأله عن جيش الرسول صلى الله عليه وسلم، فأفاده مجدي بأنه رأى راكبين أناخا إلى تل، ثم استقيا في شن لهما ، ثم انطلقا ، فبادر أبو سفيان إلى مناخيهما ، فأخذ من أبعار بعيريهما ، ففته ، فعرف منه أنه من علائف المدينة ، فأسرع تاركاً الطريق الرئيس الذي يمر على يسار بدر ، واتجه إلى طريق الساحل غرباً ، ونجا من الخطر. ثم أرسل رسالة أخرى إلى جيش قريش ، وهم بالجحفة ، يخبرهم فيها بنجاته ، ويطلب منهم الرجوع إلى مكة.
وهم جيش مكة بالرجوع ، ولكن أبا جهل رفض ذلك ، قائلا : ((والله لا نرجع حتى نرد بدراً ، فنقيم بها ثلاثا ، فننحر الجزور ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف لنا القيان ، وتسمع بنا العرب وبميسرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا. فامضوا)).
فأطاعه القوم ما عدا الأخنس بن شريق ، حيث رجع بقومه بني زهرة ، وطالب بن أبي طالب ، لأن قريشاً في حوارها معه ، اتهمت بني هاشم بأن هواهم مع محمد صلى الله عليه وسلم. وساروا حتى نزلوا قريباً من بدر ، وراء كثيب يقع بالعدوة القصوى ، على حدود وادي بدر.
وبلغ خبر ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاستشار أصحابه. وخشي فريق منهم المواجهة في وقت لم يتوقعوا فيه حربا كبيرة ، ولم يستعدوا لها بكامل عدتهم وعتادهم ، فجادلوا الرسول صلى الله عليه وسلم ليقنعوه بوجهة نظرهم. وفيهم نزل قول الله تعالى: ((كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون. يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهو ينظرون. وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين)).
وتكلم قادة المهاجرين، وأيدوا الرأي القائل بالسير لملاقاة العدو، منهم أبوبكر وعمر والمقداد بن عمرو.و مما قاله المقداد: (( يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه)). وفي رواية قال : ((لا نقول كما قال قوم موسى : اذهب أنت وربك فقاتلا ، ولكننا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك)) ، وسر النبي صلى الله عليه وسلم من قوله.
وبعد سماعه كلام قادة المهاجرين ، قال : ((أشيروا علي أيها الناس)) ، وكان بذلك يريد أن يسمع رأي قادة الأنصار ، لأنهم غالبية جنده ، ولأن نصوص بيعة العقبة الكبرى لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم خارج المدينة ، وأدرك سعد بن معاذ – حامل لواء الأنصاء – مراد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنهض قائلا : ((والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل. قال : فقد آمنا بك فصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، على السمع والطاعة ، فامض يا رسول اله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله)).
فسر رسول صلى الله عليه وسلم بقول سعد ، ونشطه ذلك ، ثم قال : سيروا وأبشروا: فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن انظر إلى مصارع القوم)).
وفي الطريق وعند بحرة الوبرة أدركه رجل من المشركين ، قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ، أراد أن يحارب معه ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ارجع فلن أستعين بمشرك)) ، ثم عرض له مرة ثانية بالشجرة ، ومرة ثالثة بالبيداء ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ما قاله أول مرة ، وأخيراًأقرالإسلام ، فقبله والرسول صلى الله عليه وسلم.
وعندما وصل قريباً من الصفراء ، بعث بسبس بن الجهني وعدي بن أبي الزغباء الجهني إلى بدر يتحسسان له الأخبار عن أبي سفيان وعيره.
ويروى أنه خرج هو وأبوبكر لهذا الغرض ، ولقيا شيخا فسألاه عن جيش قريش ، فاشترط عليهما أن يخبراه ممن هما ، فوافقا ، وطلبا منه أن يخبرهما هو أولاً ، فأخبرهما بأنه قد بلغه أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن صدق الذي أخبره فم اليوم بمكان كذا وكذا – للمكان الذي به جيش المسلمين – وإن صدق الذي أخبره بجيش قريش فهم اليوم بمكان كذا – للمكان الذي به جيش قريش.
ولما فرغ من كلامه قال : ممن أنتما ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء ، ثم انصرفا عنه، وتركاه يقول : من ماء ؟ أمن ماء العراق ؟
وفي مساء ذلك اليوم أرسل علياً والزبير وسعداً بن أبي وقاص في نفر من أصحابه لجمع المعلومات عن العدو ، فوجدوا على ماء بدر غلامين يستقيان لجيش مكة ، فأتوا بهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، وأخذوا في استجوابهما. فأفادا أنهما سقاة جيش قريش، فلم يصدقوهما ، وكرهوا هذا الجواب ، ظنا منهم أنهما لأبي سفيان ، إذ لا يزال الأمل يحدوهم في الحصول على العير. وضربوهما حتى قالا إنهما لأبي سفيان.
وعندما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته عاتب أصحابه لأنهم يضربونهما إذا صدقا، ويتركونهما إذا كذبا. ثم سألهما الرسول صلى الله عليه وسلم عن مكان الجيش المكي ، فقال : هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى.
وعندما سألهما عن عدد جيش مكة وعدته لم يستطيعا تحديد ذلك ، لكنهما حددا عدد الجزور التي تنحر يومياً بأنها ما بين التسعة والعشرة ، فاستنتج الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم بين التسعمائة والألف ، وذكرا له من بالجيش من أشراف مكة ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ((هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها)). وأشار إلى مكان مصارع جماعة من زعماء قريش ، فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنزل الله تعالى في هذه الليلة مطراً طهر به المؤمنين وثبت به الأرض تحت أقدامهم ، وجعله وبالاً شديدًا على المشركين. وفي هذا قال تعالى : ((وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم له ، ويذهب عنكم رجز الشيطان ، وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام)).
يتبع وأرجو من الجميع عدم الرد على الموضوع
حتى يكتمل
عندما سمع الرسول عليه الصلاة والسلام بأبي سفيان مقبلاً من الشام في تجارة لقريش، ندب المسلمين إليه، وقال لهم : ((هذه عير قريش ، فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها)).
وفي رواية عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: ((إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنهامقبلة، فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير،لعل الله يغنمناها؟ قلنا: نعم. فخرج وخرجنا معه)).
ولم يستنفر الرسول صلى الله عليه وسلم كل الناس، بل طلب أن يخرج معها من كان ظهره حاضراً، ولم يأذن لمن أردا أن يأتي بظهره من علو المدينة، لذا لم يعاتب أحداً تخلف عنها. وكان عددهم ما بين 313 والـ 317 رجلاً، منهم ما بين الـ 82 والـ 86 من المهاجرين و 61 من الأوس و 170 من الخزرج، معهم فَرَسان وسبعون بعيراً، يتعقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد.
وكان أبو لبابة وعلي بن إبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعندما جاء دوره في المشي ، قالا له: ((نحن نمشي عنك)). فقال لهما : ((ما أنتما بأقوى مني ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما)).
وفي الطريق ، عندما بلغوا الروحاء ، رد الرسول صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وأمّره على المدينة ، وسبق ذلك أن جعل عبدالله بن أم مكتوم على الصلاة ، وأصبح مكانه في زمالة الرسول صلى الله عليه وسلم على البعير ، مرثد بن أبي مرثد. ولذلك فلا خلاف بين رواية ابن إسحاق ورواية أحمد.
وعندما علم أبو سفيان بالخطر المحدق بقافلته ، أرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنجد بقريش.
وجاء ضمضم مسرعاً إلى مكة ، وعندما دخلها وقف على بعيره ، وقد جدع أنفه ، وحول رحله، وشق قميصه ، وهو يصيح : ((يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة , أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث ، الغوث)).
وخرجت قريش مسرعة لإنقاذ عيرها ورجالها ، ولتلقي بالمسلمين في حرب تراها قاضية على قوة المسلمين التي ظلت تهدد تجارتهم. ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب ، فإنه أرسل مكانه العاص بن هشام ، مقابل دين كان عليه ، مقداره أربعة آلاف درهم. و لم يتخلف من بطون قريش سوى بني عدي.
وبلغ عددهم في بداية مسيرهم نحو ألف وثلثمائة محارب، معهم مائة فرس وستمائة درع وجمال كثيرة، بقيادة أبي جهل.
وعندما خشوا أن تغدر بهم بنوبكر لعدواتها معهم ، كادوا أن يرجعوا عماأرادو ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي ، سيد بني كنانة ، وقال لهم : ((أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه. فخرجوا من ديارهم كما حكى عنهم القرآن (بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله)).
رأت عاتكة بنت عبدالمطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو بخبر أبي سفيان بثلاث ليال ، فقالت : رأيت رجلاً أقبل على بعير له فوقف بالأبطح ، فقال : انفروا يا آل بدر لمصارعكم في ثلاث ، فذكرت المنام وفيه : ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل ، فأقبلت تهوي حتى ترضضت فما بقيت دار ولا بنية إلا ودخل فيها بعضها. وفي القصة إنكار العباس على أبي جهل قوله : ((حتى حدثت فيكم هذه النبية)) ، وإرادة العباس أن يشاتمه ، واشتغال أبي جهل عنه بمجيئ ضمضم يستنفر قريشاً لصد المسلمين عن عيرهم ، فتجهزوا وخرجوا إلى بدر ، فصدق الله رؤيا عاتكة.
لقد كان أبو سفيان متيقظاً للخطر المتكرر من جانب المسلمين. ولذا عندما اقترب من بدر لقى مجدي بن عمرو وسأله عن جيش الرسول صلى الله عليه وسلم، فأفاده مجدي بأنه رأى راكبين أناخا إلى تل، ثم استقيا في شن لهما ، ثم انطلقا ، فبادر أبو سفيان إلى مناخيهما ، فأخذ من أبعار بعيريهما ، ففته ، فعرف منه أنه من علائف المدينة ، فأسرع تاركاً الطريق الرئيس الذي يمر على يسار بدر ، واتجه إلى طريق الساحل غرباً ، ونجا من الخطر. ثم أرسل رسالة أخرى إلى جيش قريش ، وهم بالجحفة ، يخبرهم فيها بنجاته ، ويطلب منهم الرجوع إلى مكة.
وهم جيش مكة بالرجوع ، ولكن أبا جهل رفض ذلك ، قائلا : ((والله لا نرجع حتى نرد بدراً ، فنقيم بها ثلاثا ، فننحر الجزور ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف لنا القيان ، وتسمع بنا العرب وبميسرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا. فامضوا)).
فأطاعه القوم ما عدا الأخنس بن شريق ، حيث رجع بقومه بني زهرة ، وطالب بن أبي طالب ، لأن قريشاً في حوارها معه ، اتهمت بني هاشم بأن هواهم مع محمد صلى الله عليه وسلم. وساروا حتى نزلوا قريباً من بدر ، وراء كثيب يقع بالعدوة القصوى ، على حدود وادي بدر.
وبلغ خبر ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاستشار أصحابه. وخشي فريق منهم المواجهة في وقت لم يتوقعوا فيه حربا كبيرة ، ولم يستعدوا لها بكامل عدتهم وعتادهم ، فجادلوا الرسول صلى الله عليه وسلم ليقنعوه بوجهة نظرهم. وفيهم نزل قول الله تعالى: ((كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون. يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهو ينظرون. وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين)).
وتكلم قادة المهاجرين، وأيدوا الرأي القائل بالسير لملاقاة العدو، منهم أبوبكر وعمر والمقداد بن عمرو.و مما قاله المقداد: (( يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه)). وفي رواية قال : ((لا نقول كما قال قوم موسى : اذهب أنت وربك فقاتلا ، ولكننا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك)) ، وسر النبي صلى الله عليه وسلم من قوله.
وبعد سماعه كلام قادة المهاجرين ، قال : ((أشيروا علي أيها الناس)) ، وكان بذلك يريد أن يسمع رأي قادة الأنصار ، لأنهم غالبية جنده ، ولأن نصوص بيعة العقبة الكبرى لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم خارج المدينة ، وأدرك سعد بن معاذ – حامل لواء الأنصاء – مراد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنهض قائلا : ((والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل. قال : فقد آمنا بك فصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، على السمع والطاعة ، فامض يا رسول اله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله)).
فسر رسول صلى الله عليه وسلم بقول سعد ، ونشطه ذلك ، ثم قال : سيروا وأبشروا: فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن انظر إلى مصارع القوم)).
وفي الطريق وعند بحرة الوبرة أدركه رجل من المشركين ، قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ، أراد أن يحارب معه ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ارجع فلن أستعين بمشرك)) ، ثم عرض له مرة ثانية بالشجرة ، ومرة ثالثة بالبيداء ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ما قاله أول مرة ، وأخيراًأقرالإسلام ، فقبله والرسول صلى الله عليه وسلم.
وعندما وصل قريباً من الصفراء ، بعث بسبس بن الجهني وعدي بن أبي الزغباء الجهني إلى بدر يتحسسان له الأخبار عن أبي سفيان وعيره.
ويروى أنه خرج هو وأبوبكر لهذا الغرض ، ولقيا شيخا فسألاه عن جيش قريش ، فاشترط عليهما أن يخبراه ممن هما ، فوافقا ، وطلبا منه أن يخبرهما هو أولاً ، فأخبرهما بأنه قد بلغه أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن صدق الذي أخبره فم اليوم بمكان كذا وكذا – للمكان الذي به جيش المسلمين – وإن صدق الذي أخبره بجيش قريش فهم اليوم بمكان كذا – للمكان الذي به جيش قريش.
ولما فرغ من كلامه قال : ممن أنتما ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء ، ثم انصرفا عنه، وتركاه يقول : من ماء ؟ أمن ماء العراق ؟
وفي مساء ذلك اليوم أرسل علياً والزبير وسعداً بن أبي وقاص في نفر من أصحابه لجمع المعلومات عن العدو ، فوجدوا على ماء بدر غلامين يستقيان لجيش مكة ، فأتوا بهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، وأخذوا في استجوابهما. فأفادا أنهما سقاة جيش قريش، فلم يصدقوهما ، وكرهوا هذا الجواب ، ظنا منهم أنهما لأبي سفيان ، إذ لا يزال الأمل يحدوهم في الحصول على العير. وضربوهما حتى قالا إنهما لأبي سفيان.
وعندما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته عاتب أصحابه لأنهم يضربونهما إذا صدقا، ويتركونهما إذا كذبا. ثم سألهما الرسول صلى الله عليه وسلم عن مكان الجيش المكي ، فقال : هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى.
وعندما سألهما عن عدد جيش مكة وعدته لم يستطيعا تحديد ذلك ، لكنهما حددا عدد الجزور التي تنحر يومياً بأنها ما بين التسعة والعشرة ، فاستنتج الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم بين التسعمائة والألف ، وذكرا له من بالجيش من أشراف مكة ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ((هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها)). وأشار إلى مكان مصارع جماعة من زعماء قريش ، فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنزل الله تعالى في هذه الليلة مطراً طهر به المؤمنين وثبت به الأرض تحت أقدامهم ، وجعله وبالاً شديدًا على المشركين. وفي هذا قال تعالى : ((وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم له ، ويذهب عنكم رجز الشيطان ، وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام)).
يتبع وأرجو من الجميع عدم الرد على الموضوع
حتى يكتمل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى